وصلني المقال التالي عن طريق برنامج WhatsApp. فأحببت أن أنقله لكم.
تربية الأطفال في الغربة
أكتب هذا الموضوع كمواطن عربي، سوري الإنتماء و الهوية، عراقي النشأة و الهوى و لا تزال بغداد بيته الأول كأب لطفلين و طبيب أطفال عاشق لعمله قضى أكثر من ثلاثين عاماً في أتون الغربة مثله مثل عشرات الملايين من البشر بمختلف أعراقهم و أجناسهم و دياناتهم أجبرتهم ظروفهم المختلفة على السفر أو الهجرة و البعد عن الأوطان لترسو سفنهم هنا وهناك و لتبدأ معها رحلة جديدة في حياتهم لها الأثر الأكبر على النفس يبقى معها الوطن وطن مهما كان الألم فيه و تبقى الغربة غربة مهما إرتقوا فيها و بعد كل هذه السنوات التي قضيتها في بلاد المهجر إكتشفت أن الغربة ليست بالسوء الذي نظن فهي وطن التجارب و إكتشاف الذات و إختبار لقوة النفس و الإرادة ففي الغربة نسقط لوحدنا و ننهض لوحدنا و ننطلق مرة أخرى لإستكمال حياتنا فنختار علاقاتنا و لا تفرض علينا و نتمتع بالاعتدال و الشفافية فتتسع معها آفاق تفكيرنا و بصيرتنا لرؤية الحياة، الأهل و الأصدقاء بمنظور مختلف تماماً ، فالغربة مدرسة من مدارس الحياة المتعددة تصنع منك إنساناً مختلفاً ، صلباً قوياً بما يكفى لتحمل مشقات الحياة ، و تعتبر قضية تربية الأطفال في بلاد الغربة من أخطر و أهم التحديات التي نواجهها كآباء و أمهات فهي تعني تربية الطفل ليكون مواطن لثقافتين الثقافة الجديدة التي يتعلمها و يمارسها يومياً في بلاد الإغتراب و ثقافته الأم التي نشأ عليها و التي يقع على عاتقنا إبقائها حية بمختلف الوسائل و هذه مجموعة من النصائح و التوصيات التي تساعدكم على تربية أطفالكم بطريقة صحيحة في الغربة و تساعدهم على التأقلم و الإندماج السريع و التكيف الإجتماعي مع المجتمع الغربي بشكل صحيح :
١- ان العلاقة الزوجية المبنية على التوافق و الإحترام هي المصدر الرئيسي لتطوير مهارات الطفل الإجتماعية و النفسية و هي النموذج الأهم الذي يقتدي به الطفل و المهد الأول للمعرفة التي تمده برصيد معرفي ثقافي يكون رافداً له في الحياة.
٢- الأم هي الأساس في التربية و ما تقوم به من تطوير لمهاراتها في التواصل الإجتماعي و التأقلم بكل إيجابية مع ظروف الغربة هي الخطوة الأهم و الأكثر تأثيراً على مهارات الأطفال في الأندماج و التأقلم مع المجتمع فالأم المنعزلة إجتماعياً و التي تعيش على أطلال الماضي ستجد صعوبات كبيرة في أقناع أطفالها للتأقلم مع الغربة.
٣- أهم ما يقدمه الأب لأطفاله في الغربة بعد الحضور هو الدعم و الحب اللامتناهي للأم و تسهيل عملية تأقلمها و إندماجها السريع في المجتمع.
٤- ان الحوار البناء و المنطقي مع الطفل و منذ نعومة أظافره و شرح له الصح من الخطأ و احترامه و احترام مشاعره و رغباته بشكل معتدل تشكل اساسيات التربية السليمة حيث يعتقد الكثيرون أن التربية في الغربة تعني التسامح مع كل رغبات الطفل والمراهق و عدم الحد من حريته على الإطلاق، و ذلك خوفاً من نعتهم بالتخلف و إثبات اندماجهم في المجتمع و مجاراتهم لنمط الحياة الجديدة، و هنا تأتي النتائج كارثية على الأهل و الأطفال و في المقابل هناك عائلات تفرط بالتشدد والحذر فتمنع كل شيء بدون مبررات مقنعة للطفل، و بإستخدام العنف أحياناً و هذا سيجعل الطفل إما أن يتمرد عندما يكبر، أو أن يعيش في إزدواجية متناقضة بين البيت و المجتمع.
٥- مهما كانت الظروف صعبة، قللي من التذمر و التشكي امام أطفالك و لا تتحدثي كثيراً عن سلبيات الغربة حتى لا يتسلل ذلك الى أطفالك، كونوا إيجابيين فالطفل قادر على قراءة لغة الجسد الخاصة بآبائهم.
٦- إبدأي بتجميع المعلومات عن البلد الذي تقيمين فيه و تعرفي على تاريخه و جغرافيته و ثقافته و لغته و عادات شعبه و أنواع الطعام فيه ولن تجدي صعوبات في ذلك بوجود الإنترنت و مواقع التواصل الإجتماعي.
٧- تعرفي على الجيران و إبني علاقات صداقة طيبة و تبادلي الزيارات و الهدايا معهم فالتعرف على عادات و تقاليد و طقوس حياة الشعوب الأخرى يفتح لك باباً رحباً لتعلم الكثير من الخبرات الحياتية والعملية المتنوعة و هو من أعظم فوائد الغربة.
٨- بنفس الطريقة السابقة إقرأي عن المدينة التي تقيمين فيها و إستخدمي غوغل ماب للبحث عن أقرب حديقة عامة و ملعب و مسبح للأطفال.
٩- أدخلي طفلك لدور رعاية الأطفال مهما كان عمره و حسب ما تسمح في قوانين البلد الذي تقيمين فيه فالمدارس و الدورات التعليمية أيضاً كلها وسائل تساعد أطفالكم على الإندماج السريع في المجتمع.
١٠- احرصي على أن تشعري أطفالك بأنهم ينتمون لمجموعة يشاركونها الكثير مثل جالية أبناء بلدك لذلك حاولي تشكيل صداقات معهم و التعرف عليهم فهذا مهم جداً و أساسي بالنسبة لك.
١١- رتبي لقاءات مع صديقاتك اللاتي لديهن اطفال بعمر أطفالك و اخرجو معاً الى الحديقة العامة او النادي او المسبح و دعوا الأطفال يلعبوا معاً ويمرحوا، ويتشاركوا التجارب والحكايات فذلك سيعزز من مهارات أطفالك الاجتماعية، ويتيح لهم فرصة المرح مع أبناء بلدهم.
١٢- خصصي أياماً معينة من كل أسبوع لتتشاركي مع أطفالك وجبة طعام تقليدية من بلدك وشجعيهم على مساعدتك في تحضيرها وتحدثي معهم أثناء تحضيركم للأطباق التقليدية عن المكونات، وعن المناسبات التي عادة ما يقدم خلالها فهذا النشاط اللذيذ سيمنح أطفالك مذاقاً من بلدهم مع تجربة لطيفة في مساعدتك في المطبخ.
١٣- من المهم جداً أن يحافظ الأطفال على تواصلهم مع أصدقائهم، وأقاربهم في بلدهم، ومشاركتهم تفاصيل حياتهم لذلك احرصي أن تخصصي وقتاً يومياً، أو أسبوعياً لأطفالك ليتواصلوا مع أحبائهم في الوطن و مع وسائل الاتصال الحديثة يمكنهم سماع و رؤية من يحبون ويشعرون بالقرب منهم بالرغم من الاغتراب.
١٤- احرصي على المحافظة على مختلف عاداتكم و تقاليدكم، وإحياء تراثكم خلال المناسبات والأعياد فذلك سيعزز روح الهوية عند أطفالك، ويشعرهم بانتمائهم لوطنهم لذلك استغلي الأعياد والمناسبات لكي تعلمي أطفالك عن العادات المتبعة في بلدك، وذكريهم بضرورة المحافظة عليها فمن الملاحظ أن المجموعات التي تحافظ على هويتها هي مجموعات تعتز بنفسها و قليلاً ما يندمج شبابها في عصابات أو جرائم الشباب.
١٥- تسليح الطفل بمعلومات تدعم مخزونه الفكري والديني ضد الانصياع او التأثر بالديانات والافكار الاخرى ولكن الحرص على القيام بذلك من خلال مناقشات بإطار من التسامح الديني البعيد كل البعد عن التهويل او التكفير او زرع الحقد.
١٦- ازرعوا في أبنائكم حب بلدكم و لا تذكروها بسوء أمامهم مها كان سبب خروجكم منها فقد لا يتقبلو الرجوع لها عندما يكبرو لذلك ربوهم بأن مرجعهم بالنهاية لها فكم من الناس عاشوا في الغربة كانت أمنيتهم الأخيرة أن يدفن في تراب بلده.
١٧- اقتني حيوان اليف في منزل و علمي طفلك على العناية و الاهتمام به فهذا سيزرع المزيد من التعاطف في نفس الطفل.
❤ عزيزتي الأم المغتربة :
أنت إمرأة بألف رجل تستمرين بالعمل ليلاً و نهاراً رغم كل الشوق و الألم لتمنحي الأمل لأطفالك كل يوم و تصنع مستقبلهم للأبد فأنت بالنسبة لهم عالماً متكاملاً يحوي جميع الأهل و الأقارب لذلك كوني أنت فأنت أساس الحياة.
د. معاوية العليوي